حقيقة الجدال السائد اليوم حول الإيمان والكفر
واليوم لا يخفى ما يدور بين الدعاة مثلاً في مصر من جدل حامي الوطيس حول الإيمان والكفر وحقيقة كل منهما، ومن أسباب هذا الخلاف وهذا الجدل: أن السائد في مصر هو مذهب الإرجاء؛ لأن المقرر عندهم الجوهرة وشروحها، سواء في الأزهر أو في غيره من المعاهد الأزهرية، والشباب الذين رفضوا هذا الإرجاء ليت كل أحد فقه تفصيلات مذهب أهل السنة والجماعة ، فكان الخطأ واللبس أن بعض الدعاة تصور فعلاً أن الإيمان لا بد له من أصل، فهو قدر معين لا بد أن يؤمن به، فكل مؤمن في قديم الدهر وحديثه عنده هذا القدر المحدد المعين، ثم بعد ذلك الناس يزيد بعضهم، وبعضهم زيادة أقل، فيقولون بحد أو مقدار لا بد منه عند كل أحد، أما البقية فقد يطول وقد يقصر، أو قد يزيد وقد ينقص، وهذا شيء آخر، لكن مهما زاد الإيمان فهو ثابت موجود، ومهما نقص فلا ينقص ويخل بهذا الأصل، ثم بعد ذلك يأتي كل واحد ويضع هذا الأصل ويقول: لا بد أن يقر بكذا وكذا، وهذا هو الحد الأدنى للإسلام، وبعد ذلك يزيد عليه، لكن لو نقص هذا الحد لا يكون مؤمناً ولا يكون مسلماً، ويعتبر كأنه كافر مثل الروس والصرب والأمريكان؛ لأنه يرى أن هذا الذي وضعه غير مكتمل لديه، وبعضهم قد يجعلها عشرة أشياء، وبعضهم اثنان، وبعضهم ثلاثة، وبعضهم أربعة، فيصبح الخلاف بينهم في هذا الشيء، أما هذا فقد اتفقوا عليه؛ ولذلك إذا نقضنا وبينا خطأ هذه النظرية من أصلها فينتقض المذهب من أساسه؛ لأن الإيمان الأصل أو إيمان القلب والفرع شيء واحد، فإذا نقص الإيمان من هنا فإن ذلك ينقص من هنا، مثل الشجرة الصغيرة جذورها في الأرض صغيرة، كأن تكون الشجرة فوق الأرض متراً، وشجرة أخرى من نفس النوع طولها فوق الأرض ثلاثون متراً، فهل تكون جذور المتر مثل جذور الثلاثين؟ لا، لكن هم على كلامهم الجذور في الأرض واحدة، لكن قد تطول وقد تقصر ما فوق الأرض، فنقول: هذا الكلام غير صحيح لا عقلاً ولا شرعاً، وإنما هو شيء واحد، إما أن يطول كله، أي: الذي إيمانه أكثر يرتفع إلى ما شاء الله، والذي إيمانه أقل ينقص حتى يتلاشى؛ ولذلك آخر من يخرج من النار الجهنميون الذين في قلوبهم أدنى مثقال ذرة؛ لأنه شيء لا يرى، لكن على كلامهم يكون عنده هذا الشيء كله، ومع ذلك يقل ولا ينقص عنه.